إذا كنا نسعى كبشر إلي عقد اتفاقية سلام مع البيئة؛ فهناك قرارات عدة يجب أن تتخذ للمحافظة عليها، وتجنب غضبها، فكثيرًا ما يواجه الفرد موقفًا يتضمن عدة اختيارات، وعليه أن يختار أفضلها، كما يعد اتخاذ القرار نحو البيئة من أهم أهداف التربية البيئية لذلك تحاول كافة الوسائل غرس مهاراته في الأفراد، وجعله مسئولاً، ومهمومًا بها، ومحافظًا على مواردها.
ويعتقد علماء التربية أن اتخاذ القرارات السديدة والرشيدة والحكيمة تجاه البيئة، هو جوهر عملية التربية، وهو المخرج الرئيس للخلاص من المشكلات البيئية، التي تكاد تعصف بحياة البشر، وجميع الكائنات الحية على سطح الأرض، باعتبار أن الإنسان وسلوكياته وقراراته هو مشكلة البيئة الأولى، فالتربية البيئية تعنى أن نعلم الفرد كيف يتخذ قرارًا مناسبًا، عندما يتعامل مع البيئة، وهذا القرار هو محصلة لمعلومات ومفاهيم وقيم ومهارات لابد أن يمتلكها الفرد، من أجل أن يتخذ مثل هذا القرار السليم.
فمتى أصبح الإنسان مسئولاً عن أفعاله وقراراته، وعندما يكون قادرًا على اتخاذ القرارات المتعلقة بحياته ومجتمعه وبيئته، وتكون هذه القرارات نابعة من داخل ذاته، حينئذ يكون مسئولاً عن تحمل تبعات أفعاله نحو حياته ومجتمعه وبيئته .
لذلك تركزت أهداف علماء التربية في تمكين المتعلم من اتخاذ القرارات البيئية الواعية، والمسئولة حول القضايا المرتبطة بحياتهم ومشكلاتهم، وذلك عن طريق تنمية قدرته على تقصي وتحديد المشكلات التي تنبع من البيئة، وتدريبه على اتخاذ قرارات حكيمة، تعتمد على فهم بيئته وملاحظة وتفسير المشكلات التي تحدث فيها، بما يتناسب مع طبيعة وإمكانات المجتمع الذي يعيش فيه .
وحيث إن هذا البحث يهدف إلى تنمية مهارات اتخاذ القرارات البيئية خلال مناهج العلوم بالصف الأول الإعدادي، لذلك سوف نتناول في هذه المحور مفهوم اتخاذ القرار، والعوامل المؤثرة فيه ومراحله، ومهاراته، إضافة إلي تنمية مهارات اتخاذ القرارات البيئية خلال مناهج العلوم، كما يلي:
أولاً: مفهوم اتخاذ القرار:
يمثل القرار رأيًا أو موقفًا أو أمرًا تم اختياره من بين مجموعة من البدائل كانت متاحة أمام متخذ القرار، بهدف تحقيق غاية ما أوحل لمشكلة معينة، وهو ضروري لحل المشكلات والتقدم نحو الأهداف، وتعني كلمة "قرار" البت النهائي والإرادة المحددة لصانع القرار بشأن ما يجب وما لا يجب فعله للوصول لوضع معين وإلى نتيجة محددة ونهائية .
ومن ثم يمكن تعريف القرار بأنه مسار فعل يختاره متخذ القرار باعتباره أنسب وسيلة متاحة أمامه لإنجاز الأهداف التي يبتغيها لحل المشكلة التي تشغله، وهو فعل اختيار يتم عن وعي وإدراك يقوم به الفرد بين مجموعة من البدائل المتاحة بطريقة مدروسة.
ومفهوم صنع القرار لا يعني اتخاذ القرار فحسب، وإنما هو عملية معقدة تتضمن عناصر عديدة، وإن كان الاختيار بين البدائل يبدو نهاية المطاف في صنع القرارات، إلا أن مفهوم اتخاذ القرار ليس قاصراً على الاختيار النهائي، بل إنه يشير كذلك إلى تلك الأنشطة التي تؤدي إلى ذلك الاختيار .
وعملية صنع القرار عملية عقلية، يتبعها الفرد للوصول إلى اختيار أو انتقاء سبيل أو أمر أو فكرة، من بين عدة بدائل يواجهها، ليصل إلى الهدف الذي يريده، وهي عملية منظمة، تتكون من عدد من الخطوات المترابطة، يتطلب أداء كل منها قدرًا من المعلومات والإجراءات التي تتوقف عليها سلامة القرار وصحته ودقته وفاعليته بالنسبة للهدف المنشود، وهي سلسلة الاستجابات التي تنتهي باختيار البديل الأنسب في مواجهة موقف معين.
بينما اتخاذ القرار هي عملية الاختيار الرشيد والحر من بين مجموعة البدائل المطروحة عليه، بعد فحصها بدقة، والتي فرض وجودها وجود مشكلة بيئية ملحة، وتحتاج إلى حل، للوصول إلى هدف وغاية مرغوبة، في ظل التحلي بالقيم والعقلانية والمنطقية ( سوزان حسن، 2007، ص73).
لذلك يعرف البعض عملية اتخاذ القرار بأنها استخدام عمليات التفكير لاختيار أفضل استجابة من بين عدد من البدائل، وتجميع المعلومات لتغطية موضوع معين ومقارنة مزايا وعيوب البدائل واتخاذ القرار بما هي أكثر الاستجابات فعالية.
ويعرفه آخرون بأنها عملية إصدار حكم عما يجب أن يفعله الفرد في موقف معين، وذلك بعد الفحص الدقيق للبدائل أو الاختيارات ووزنها في ضوء محكات محددة، أي المفاضلة بين مجموعة حلول لمواجهة مشكلة محددة، ومن ثم اختيار الحل الأمثل.
من التعريفات السابقة لعملية اتخاذ القرار يتضح أن:
1. عملية اتخاذ القرار هي عملية اختيار بين عدة بدائل متاحة لحل مشكلة ما.
2. أهمية البعد القيمي عند متخذ القرار خاصة تجاه المشكلات البيئية.
3. لأي موقف أو مشكلة حلول بديلة يجب تحليلها و مقارنتها في ضوء معايير محددة.
4. يتم اتخاذ القرار من خلال إتباع خطوات تشكل أسلوباً منطقياً في الوصول إلى حل.
ثانيًا: العوامل المؤثرة في عملية اتخاذ القرار:
تتأثر القرارات بالظروف الشخصية لمتخذي القرار، ولهذا فإن متخذي القرارات يختلفون في درجة إدراكهم واتجاهاتهم وقيمهم لفهم المشكلات، وأفضل قرار يصل إليه الفرد هو ذلك القرار الذي يكون محصلة لتفاعل الحقائق والفكر، والذي تراعى فيه كل المؤثرات الخارجية والداخلية التي تتعلق بالموضوع قيد البحث .
ومن العوامل التي تؤثر في عملية اتخاذ القرار:
o القيم: للقيم تأثير كبير في اتخاذ القرار ودون ذلك يتعارض مع طبيعة النفس البشرية.
o العوامل الشخصية: لكل فرد شخصيته التي ترتبط بالأفكار والمعتقدات التي يحملها والتي تؤثر على القرار الذي سيتخذه، وبالتالي يكون القرار متطابقا مع تلك الأفكار والتوجهات.
o الاحتياجات البشرية: لطموحات الفرد وميوله دور مهم في اتخاذ القرار لذلك يتخذ الفرد القرار النابع من ميوله وطموحاته، وقد لا ينظر إلى النتائج أو الحسابات المترتبة على ذلك.
o العوامل النفسية: تؤثر العوامل النفسية على اتخاذ القرار، فإزالة التوتر النفسي والحيرة والتردد لها تأثير كبير في إنجاز العمل وتحقيق الأهداف والآمال التي يسعى إليها الفرد.
ثالثًا : مراحل اتخاذ القرارات (دورة القرار):
يكاد يتفق علماء التربية على وجود ما يسمى بدورة القرار، ويقصد بها العملية التي تتضمن: صنع القرار واتخاذه وتنفيذه وتقويمه، ويتضح ذلك فيما يلي:
1. مرحلة صنع القرار:
تمر هذه المرحلة بعدد من الخطوات وهي:
§ تحليل المشكلة: إذا كانت المشكلة تظهر في الفرق بين ما هو مراد وما هو محقق أو موجود، فإن الأمر يتطلب الوقوف على مدى حدة المشكلة، وصعوبتها، وتكرارها، وأهميتها، ومداها الزمني، وأسبابها، ومدى توفر المعلومات عنها .
§ جمع البيانات: تعتبر المعلومات من أساسيات صنع القرار واتخاذه، وتشمل البيانات ما هو متصل بالأمور الداخلية والأمور الخارجية على السواء, وهذه البيانات تمثل أساس تحديد الأسباب والبدائل المختلفة لحل المشكلة
§وضع معايير للحكم: وهنا تحدد المعايير التي تتخذ أو يعتمد عليها الفرد أو متخذ القرار في تقويم كل بديل من البدائل المقترحة حتى يكون البديل المختار ذا إسهام أكبر في حل المشكلة وبأقل قدر من الأعباء .
§ البحث عن بدائل لحل المشكلة: تنطلق هذه الخطوة من التسليم بأنه لا يوجد حل واحد فريد لأية مشكلة، نظراً لتعددية الأسباب المنشئة لها، وتعتمد هذه المرحلة على أسلوب العصف الذهني، تحت شعار أن الكم سوف يولد الكيف، وأن الكم الكثير سوف يولد الكيف المتميز .2. مرحلة اتخاذ القرار:
تمر هذه المرحلة بعدد من الخطوات وهي:
§ تقييم البدائل: حيث يتم تقييم كل بديل من البدائل المتاحة في ضوء المعايير المقترحة بما يتضمنه ذلك من بيان النتائج المترتبة على كل بديل، وما يعنيه ذلك من الوقوف على:
o إسهام كل بديل في حل المشكلة من جميع جوانبها.
o الإمكانيات المادية والبشرية المطلوبة والمتاحة.
o الفترة الزمنية اللازمة لتنفيذ كل بديل.
o الآثار الجانبية المترتبة على تنفيذ كل بديل من هذه البدائل.
وفي ضوء ذلك تتم مقارنة البدائل المقترحة .
§ اختيار البديل الأفضل: في ضوء مقارنة البدائل يتم اتخاذ القرار باختيار أفضل بديل منها، ويعتبر أكثرها احتمالاً للنجاح في حل المشكلة وبآثار جانبية أقل، وتتوقف صعوبة الاختيار والزمن الذي يستغرقه على درجةالمخاطرة المترتبة على اختيار بديل ما (سوزان محمد، 2007، ص 82).
رابعًا: مفهوم مهارات اتخاذ القرارات البيئية:
المهارة هي أداء عمل ما بدرجة مناسبة من الإتقان مع الاقتصاد في الجهد والوقت والنفقات وتلافي الأضرار والأخطار والتكيف أثناء أداء هذه المهارة .
ويعرف صلاح الدين عرفه اتخاذ القرارات البيئية على أنه عملية الاختيار أو المفاضلة المنطقية بين عدة اختيارات أو بدائل وفقاً لمعايير بيئية وتستند إلى مفاهيم وحقائق وقيم تؤدي إلى اختيار أفضل البدائل لمواجهة الحالات المحتملة .
وعلى ذلك يعرف مفهوم مهارات اتخاذ القرارات البيئية بأنها مجموعة من الإجراءات، أو الأنشطة، أو العمليات، التي تحدث في سلسلة من الخطوات اللازمة، لإصدار حكم تجاه موقف معين، أو قضية أو مشكلة معينة، وتتطلب هذه العملية توافر مجموعة من المهارات، من أهمها مهارة جمع المعلومات والبيانات وتحديد البدائل المناسبة للحل، والمفاضلة بين البدائل المتاحة، واختيار البديل المناسب وفقًا لمعايير واعتبارات موضوعة يستند إليها الفرد في أثناء الاختيار.
ويقصد بمهارات اتخاذ القرارات البيئية في هذا البحث:
" قدرة التلميذ على إصدار رأي أو حكم لمواجهة مجموعة من المواقف أو المشكلات أو القضايا الحياتية المتعلقة بمكونات البيئة الطبيعية والإنسانية وذلك بغرض حلها نتيجة مرور المتعلم بمحتوى التصور المقترح لمنهج العلوم للصف الأول الإعدادي "
وتتمثل مهارات اتخاذ القرارات البيئية وفقًا لبعض الباحثين في :
1) القدرة على تحديد معايير اتخاذ القرار: وتعني القدرة على تحديد المحكات التي يعتبرها متخذ القرار مهمة بالنسبة للقرار، ويحدد المعايير التي على أساسها سيتخذ قراره، وما يعنيه ذلك من الوقوف على مدى إسهام القرار في حل المشكلة، والإمكانيات المادية والبشرية والفترة الزمنية اللازمة لتنفيذ القرار، الآثار الجانبية المترتبة على تنفيذ هذا القرار.
2) القدرة على توليد البدائل: وتعني القدرة على اقتراح عدد من الحلول لهذه المشكلة، من خلال استعراض المعلومات واستخلاص النتائج وتحديد الآثار المترتبة على هذه النتائج.
3) القدرة على وزن البدائل وتحديد أفضلها: وتعني القدرة على أن يفكر متخذ القرار في كل بديل، ويحدد مدى جودة وفائه بالمعايير التي تم تحديدها، ويفحص مزايا وعيوب كل بديل، ويحدد الآثار المترتبة على اختياره، ومدى إمكانية تنفيذه، ومدى ملاءمة الوقت، والأخذ به كحل للمشكلة، وترجيح أحد البدائل واختياره باعتباره القرار الأفضل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق